فصل: فصل‏:‏ إذا تَكرّرَ العطاسُ من إنسان متتابعاً، فالسنّة أن يشمِّته لكل مرّة إلى أن يبلغ ثلاث مرّات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار **


 بابُ في مسائل تتفرّعُ على السَّلام

 مسألة‏:‏ قال أبو سعد المتولّي‏:‏ التحيّة عند الخروج من الحمّام بأن يُقال له‏:‏ طابَ حمّامُك، لا أصل لها؛ ولكن روي أن عليّ رضي اللّه عنه قال لرجل خرج من الحمّام‏:‏ طَهَرْتَ فلا نَجِسْتَ‏.‏ قلت‏:‏ هذا المحلّ لم يصحُّ فيه شيء، ولو قال إنسان لصاحبه على سبيل المودة والمؤالفة واستجلاب الودّ‏:‏ أدام اللّه لك النعيم ونحو ذلك من الدعاء فلا بأس به‏.‏

 مسألة‏:‏ إذا ابتدأ المارُّ الممرور عليه فقال‏:‏ صبَّحكَ اللّه بالخير، أو بالسعادة، أو قوّاك اللّه، ولا أوحشَ اللّه منك، أو غير ذلك من الألفاظ التي يستعملها الناسُ في العادة، لم يستحقّ جواباً؛ لكن لو دعا له قبالة ذلك كان حسناً، إلا أنْ يَتْرُكَ جوابَه بالكلية زجراً في تخلّفه وإهماله السلام، وتأديباً له ولغيره في الاعتناء بالابتداء بالسلام‏.‏

 فصل‏:‏ إذا أراد تقبيل يد غيره، إن كان ذلك لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لم يُكره بل يُستحبّ؛ وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك فهو مكروه شديد الكراهة‏.‏ وقال المتولّي من أصحابنا‏:‏ لا يجوز، فأشار إلى أنه حرام‏.‏

1/651 روينا في سنن أبي داود، عن زارع رضي اللّه عنه، وكان في وفد عبد القيس قال‏:‏ فجعلْنا نتبادرُ من رواحلنا فنقبِّلُ يدَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ورجلَه‏.‏ (1)

قلتُ‏:‏ زارع بزاي في أوّله وراء بعد الألف، على لفظ زَارع الحنطة وغيرها‏.‏

2/652 وروينا في سنن أبي داود أيضاً، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قصةً قال فيها‏:‏ فدنونا ـ يعني من النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ـ فقَبَّلنا يده‏.‏(2)

وأما تقبيل الرجُل خدَّ ولده الصغير، وأخيه، وقُبلة غير خدّه من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة، فسُنّةٌ‏.‏ والأحاديث فيه كثيرة صحيحة مشهورة وسواء الولد الذكر والأنثى‏.‏ وكذلك قبلته ولد صديقه وغيره من صغار الأطفال على هذا الوجه‏.‏ وأما التقبيلُ بالشهوة فحرام بالاتفاق‏.‏ وسواء في ذلك الوالد وغيره، بل النظر إليه بالشهوة حرام بالاتفاق على القريب والأجنبي‏.‏

3/653 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم،عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قَبَّلَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم الحسنَ بن عليّ رضي اللّه عنهما وعنده الأقرعُ بن حابس التميمي‏.‏ فقال الأقرعُ‏:‏ إن لي عشرةً من الولد ما قبّلتُ منهم أحداً، فنظرَ إليه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ‏"‏‏.‏‏(3)

4/654 وروينا في صحيحيهما، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ قدم ناسٌ من الأعراب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا‏:‏ تُقَبِّلُونَ صبيانَكم‏؟‏ فقالوا‏:‏ نعم، قالوا‏:‏ لكنَّا واللّه ما نُقَبِّلُ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أوَ أمْلِكُ أنْ كانَ اللَّهُ تَعالى نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ‏؟‏‏"‏ هذا لفظ إحدى الروايات، وهو مروي بألفاظ‏.‏ ‏(4)

5/655 وروينا في صحيح البخاري وغيره، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ أخذَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ابنَه إبراهيم فقَبّله وشمّه‏.‏(5)

6/656 وروينا في سنن أبي داود، عن البراء بن عازب رضي اللّه عنهما قال‏:‏ دخلتُ مع أبي بكر رضي اللّه عنه أوّلَ ما قَدِمَ المدينةَ، فإذا عائشةُ ابنته رضي اللّه عنها مضطجعةٌ قد أصابَها حُمَّى، فأتاها أبو بكر فقال‏:‏ كيف أنتِ يا بنيّة‏؟‏‏!‏ وقبَّلَ خدَّها‏.‏ (6)

7/657 وروينا في كتب الترمذي والنسائي وابن ماجه، بالأسانيد الصحيحة، عن صفوان بن عَسَّال الصحابيّ رضي اللّه عنه، وعَسَّال بفتح العين وتشديد السين المهملتين، قال‏:‏ قال يهوديّ لصاحبه‏:‏ اذهب بنا إلى هذا النبيّ، فأتيا رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألاه عن تسعِ آياتٍ بيِّناتٍ، فذكرَ الحديثَ إلى قوله‏:‏ فقبّلوا يدَه ورجلَه وقالا‏:‏ نشهدُ أنك نبيٌّ‏.‏ (7)

8/658 وروينا في سنن أبي داود، بالإِسناد الصحيح المليح، عن إِياس بن دَغْفَل قال‏:‏ رأيتُ أبا نضرة قَبّل خدّ الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما‏.‏ ‏(8)

قلت‏:‏ أبو نَضْرَةَ بالنون والضاد المعجمة‏:‏ اسمه المنذر بن مالك بن قطعة، تابعي ثقة‏.‏ ودَغْفَل بدال مهملة مفتوحة ثم غين معجمة ساكنة ثم فاء مفتوحة ثم لام‏.‏

وعن ابن عمر (9)‏ رضي اللّه عنهما أنه كان يقبّل ابنه سالماً ويقول‏:‏ اعجبوا من شيخ يُقَبِّلُ شيخاً‏.‏

وعن سهل بن عبد اللّه التستري السيد الجليل أحد أفراد زهّاد الأمة وعبّادها رضي اللّه عنه أنه كان يأتي أبا داود السجستاني ويقول‏:‏ أخرج لي لسانكَ الذي تُحدِّثُ به حديثَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأُقَبِّله فيقبِّلُه‏.‏ وأفعالُ السلف في هذا الباب أكثر من أن تُحصر، واللّه أعلم‏.‏

 فصل‏:‏ ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح للتبرّك، ولا بأس بتقبيل الرجُل وجه صاحبه إذا قدم من سفر ونحوه‏.‏

9/659 روينا في صحيح البخاري، عن عائشة رضي اللّه عنها في الحديث الطويل في وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت‏:‏ دخلَ أبو بكر رضي اللّه عنه فكشفَ عن وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم أكبَّ عليه فقَبّله، ثم بكى‏.(10)

10/660 وروينا في كتاب الترمذي، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ قدِمَ زيدُ بنُ حارثةَ المدينةَ ورسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرعَ البابَ، فقامَ إليه النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يجرّ ثوبَه، فاعتنقه وقبَّله‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (11)

وأما المعانقةُ وتقبيلُ الوجه لغير الطفل ولغير القادم من سفر ونحوه فمكروهان، نصَّ على كراهتهما أبو محمد البغويّ وغيره من أصحابنا‏.‏

ويدلّ على الكراهة‏:‏

11/661 ما رويناه في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رجل‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ الرجل منّا يَلقى أخاه أو صديقه أينحني له‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏ قال‏:‏ أفيلتزمه ويقبّله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏ قال‏:‏ فيأخذه بيده ويصافحُه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نَعَمْ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (12)

قلت‏:‏ وهذا الذي ذكرناه في التقبيل والمعانقة، وأنه لا بأس به عند القدوم من سفر ونحوه، ومكروه كراهة تنزيه في غيره، وهو في غير الأمرد الحسن الوجه؛ فأما الأمردُ الحسنُ فيحرم بكلّ حال تقبيله، سواء قدم مَن سفر أم لا‏.‏ والظاهر أن معانقته كتقبيله، أو قريبة من تقبيله، ولا فرق في هذا بين أن يكون المقبِّل والمقبَّل رجلين صالحين أو فاسقين، أو أحدُهما صالحاً، فالجميعُ سواء‏.‏ والمذهبُ الصحيح عندنا تحريم النظر إلى الأمرد الحسن ولو كان بغير شهوة، وقد أمن الفتنة، فهو حرام كالمرأة لكونه في معناها ‏(13)

 فصل‏:‏ في المصافحة‏:‏ اعلم أنها سنّة مجمعٌ عليها عند التلاقي‏.‏

12/662 روينا في صحيح البخاري، عن قتادة قال‏:‏ قلتُ لأنس رضي اللّه عنه أكانتِ المصافحةُ في أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ (14)

13/663 وروينا في صحيح البخاري ومسلم في حديث كعب بن مالك رضي اللّه عنه في قصة توبته قال‏:‏ فقام إليّ طلحة بن عبيد اللّه رضي اللّه عنه يُهرول، حتى صافحني وهنّأني‏.‏ (15)

14/664 وروينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيانِ فَيتَصافَحانِ إِلاَّ غُفرَ لَهُما قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا‏"(16)

15/665 وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن البراء رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏ما مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيانِ إلاَّ غُفرَ لَهُما قَبْلَ أنْ يَتَفَرَّقا‏"‏‏.‏‏(17)

16/666 وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رجلٌ‏:‏ يا رسولَ اللّه‏!‏ الرجلُ منّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له‏؟‏، قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏ قال‏:‏ أفيلتزمه ويقبله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏ قال‏:‏ فيأخذ بيده ويصافحه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نَعَمْ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ وفي الباب أحاديث كثيرة‏.‏ (18)

17/667 وروينا في موطأ الإِمام مالك رحمه اللّه، عن عطاء بن عبد اللّه الخراسانيّ قال‏:‏ قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْناءُ‏"‏ قلت‏:‏ هذا حديث مرسل‏.‏ (19)

واعلم أن هذه المصافحة مستحبّة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناسُ من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر، فلا أصلَ له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنّة، وكونهم حافَظوا عليها في بعض الأحوال، وفرّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها، لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها‏.‏

وقد ذكر الشيخ الإِمام أبو محمد عبد السلام رحمه اللّه في كتابه ‏"‏القواعد‏"‏ أن البدع على خمسة أقسام‏:‏ واجبة، ومحرّمة، ومكروهة، ومستحبّة، ومباحة‏.‏ قال‏:‏ ومن أمثلة البدع المباحة المصافحة عقب الصبح والعصر، واللّه أعلم‏.‏

قلت‏:‏ وينبغي أن يحترز من مصافحة الأمرد الحسن الوجه، فإن النظرَ إليه حرام كما قدَّمنا في الفصل الذي قبل هذا، وقد قال أصحابنا‏:‏ كلّ مَن حَرُمَ النظرُ إليه حَرُمَ مسُّه، بل المسّ أشدّ، فإنه يحلّ النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوّجها، وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحو ذلك، ولا يجوز مسُّها في شيء من ذلك، واللّه أعلم‏.‏

فصل‏:‏ ويُستحبّ مع المصافحة، البشاشة بالوجه، والدعاء بالمغفرة وغيرها‏.‏

18/668 روينا في صحيح مسلم، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال لي رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أنْ تَلْقَى أخاكَ بِوَجْهِ طَلِيقٍ‏"‏‏.‏(20)

19/669 وروينا في كتاب ابن السني، عن البراء بن عازب رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنَّ المُسْلِمَيْنِ إذَا الْتَقَيا فَتَصَافَحَا وَتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ تَنَاثَرَتْ خَطاياهُما بَينَهُما‏"‏ وفي رواية ‏"‏إذَا الْتَقَى المُسْلِمانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ تَعالى وَاسْتَغْفَرَا، غَفَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا‏"‏‏.‏‏(21)

20/670 وروينا فيه، عن أنس رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحابَّيْنِ في اللَّهِ يَسْتَقْبِلُ أحَدُهُما صَاحِبَهُ فَيُصَافِحَهُ فَيُصَلِّيانِ على النَّبِيّ صلى اللّه عليه وسلم إِلاَّ لَمْ يَتَفَرَّقَا حتَّى تُغْفَرَ ذُنُوبهُمَا ما تَقَدَّمَ منْها وَما تَأخَّرَ‏"‏‏.‏‏(22)

21/671 وروينا فيه، عن أنس أيضاً، قال‏:‏ ما أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيدِ رجلٍ ففارقه حتى قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ‏"‏‏.‏‏(23)

 فصل‏:‏ ويُكره حنْيُ الظهر في كل حال لكل أحد، ويدلّ عليه ما قدَّمنا في الفصلين المتقدمين من حديث أنس، وقوله‏:‏ أينحني له‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏ وهو حديث حسن كما ذكرناه ولم يأت له معارض فلا مصيرَ إلى مخالفته، ولا يغترّ بكثرة مَن يفعله ممّن ينسب إلى علم أو صلاح وغيرهما من خصال الفضل، فإن الاقتداء إنما يكون برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَمَا نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏7‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلْيَحْذَرِ الَّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏63‏]‏‏.‏

وقد قدَّمنا في كتاب الجنائز (24) ، عن الفضيل بن عياض رضي اللّه عنه ما معناه‏:‏ اتّبعْ طُرُقَ الهدى، ولا يضرّك قلّة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغترّ بكثرة الهالكين، وباللّه التوفيق‏.‏

 فصل‏:‏ وأما إكرام الداخل بالقيام، فالذي نختاره أنه مستحبّ لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية مصحوبة بصيانة، أو له ولادة أو رحم مع سنّ ونحو ذلك، ويكون هذا القيام للبِرّ والإِكرام والاحترام لا للرياء والإِعظام، وعلى هذا الذي اخترناه استمرّ عمل السلف والخلف، وقد جمعت في ذلك جزءاً جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف وأفعالهم الدّالة على ما ذكرته، ذكرت فيه ما خالفها وأوضحت الجواب عنه، فمن أشكل عليه من ذلك شيء ورغب في مطالعة ذلك الجزء رجوت أن يزول إشكاله إن شاء اللّه تعالى، واللّه أعلم‏.‏

 فصل‏:‏ يستحبّ استحباباً متأكداً زيارة الصالحين والإِخوان والجيران والأصدقاء والأقارب وإكرامهم وبرّهم وصلتهم، وضبط ذلك يختلف باختلاف أحواله ومراتبهم وفراغهم‏.‏ وينبغي أن تكون زيارته لهم على وجه لا يكرهونه وفي وقت يرتضونه‏.‏ والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة، ومن أحسنها‏:‏

22/672 ما رويناه في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أن رجلاً زارَ أخاً له في قرية أخرى، فأرصدَ اللّه تعالى على مَدْرَجتِه مَلَكاً، فلما أتى عليه قال‏:‏ أين تُريد‏؟‏ قال‏:‏ أُريدُ أخاً لي في هذه القرية، قال‏:‏ هل لكَ عليه من نعمة ترُبُّها‏؟‏ قال‏:‏ لا، غيرَ أني أحببتُه في اللّه تعالى، قال‏:‏ فإني رسولُ اللّه إليك بأن اللّه تعالى قد أحبَّكَ كما أحببتَه فيه‏"‏‏.(25)

قلت‏:‏ مدرجتُه بفتح الميم والراء‏:‏ طريقه‏.‏ ومعنى تَرُبُّها‏:‏ أي تحفظها وتراعيها وتربيها كما يُربِّي الرجلُ ولدَه‏.‏

23/673 وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة أيضاً قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ عادَ مَرِيضاً، أوْ زَارَ أخاً لَهُ في اللَّهِ تَعالى، نادَاهُ مُنادٍ بأنْ طِبْتَ وَطابَ مَمْشاكَ، وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلاً‏"‏‏.‏(26)

 فصل‏:‏ في استحباب طلب الإِنسان من صاحبه الصالح أن يزورَه، وأن يكثرَ من زيارته‏.‏

24/674 روينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، قال‏:‏ قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لجبريل صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنا‏؟‏ فنزلتْ ‏{‏وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأمْرِ رَبِّكَ، لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا وَما خَلْفَنا‏} ‏[‏مريم‏:‏64‏]‏ ‏(27)

 

بابُ تَشْمِيتِ العَاطسِ وحُكم التَّثَاؤُب

1/675 روينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنَّ اللَّهَ تَعالى يُحِبُّ العُطاسَ، وَيَكْرَهُ التَثاؤُبَ، فإذا عَطَسَ أحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعالى كان حَقّاً على كُلّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يَقُولَ لَهُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ‏.‏ وأمَّا التَّثاؤُبُ فإنَّما هُوَ مِنَ الشَّيْطان، فإذا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ ما اسْتَطاعَ، فَإن أحدَكم إذا تَثاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطانُ‏"‏‏.‏ (28)

قلتُ‏:‏ قال العلماء‏:‏ معناه أن العطاسَ سببه محمود، وهو خفّة الجسم التي تكون لقلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه لأنه يُضعف الشهوة ويُسَهِّلُ الطاعة، والتثاؤب بضدّ ذلك، واللّه أعلم‏.‏

2/676 وروينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة أيضاً، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُل‏:‏ الحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أخُوهُ أوْ صَاحبُهُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فإذَا قالَ لَهُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ‏:‏ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ‏"‏ قال العلماء‏:‏ بالكم‏:‏ أي شأنكم‏.‏ (29)

3/677 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ عَطَسَ رجلان عند النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فشمّت أحدَهما ولم يشمّت الآخر، فقال الذي لم يشمّته‏:‏ عَطَسَ فلان فشمّته، وعطستُ فلم تشمّتني، فقال‏:‏ ‏"‏هَذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعالى، وَإنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ تَعالى‏"‏‏.‏‏(30)

4/678 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعالى فَشَمِّتُوهُ، فإنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلا تُشَمِّتُوهُ‏"‏‏.‏‏(31)

5/679 وروينا في صحيحيهما، عن البراء رضي اللّه عنه قال‏:‏ أمَرَنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع‏:‏ أمَرَنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، وردّ السلام، ونصر المظلوم، وإبرار القسم‏.‏ (32)

6/680 وروينا في صحيحيهما، عن أبي هريرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ خَمْسٌ‏:‏ رَدُّ السَّلامِ، وَعِيادَةُ المَرِيض، وَاتِّباعُ الجَنائِز، وإجابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العاطِس‏"‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ سِتٌّ‏:‏ إذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فأجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّه تَعالى فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ‏"‏‏.‏‏(33)

 فصل‏:‏ اتفق العلماء على أنه يُستحبّ للعاطس أن يقولَ عقب عطاسه‏:‏ الحمد للّه، فلو قال‏:‏ الحمد للّه ربّ العالمين كان أحسن، ولو قال‏:‏ الحمد للّه على كل حال كان أفضل‏.‏

7/681 روينا في سنن أبي داود وغيره، بإسناد صحيح، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ‏:‏ الحَمْدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ، وَلْيَقُلْ أخُوهُ أوْ صَاحِبُهُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّه، وَيَقُولُ هُوَ‏:‏ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ‏"‏‏.‏‏(34)

8/682 وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما؛ أن رجلاً عَطَسَ إلى جنبه فقال‏:‏ الحمدُ للّه والسَّلام على رسول اللّه، فقال ابن عمر‏:‏ وأنا أقول‏:‏ الحمدُ للّه والسلامُ على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وليس هكذا علّمنا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، علّمنا أن نقول‏:‏ ‏"‏الحَمْدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ ويُستحبّ لكل مَن سمعه أن يقول لَه‏:‏ يرحمك اللّه، أو يرحمكم اللّه، أو رحمكم اللّه، ويُستحبّ للعاطس بعد ذلك أن يقول‏:‏ يهديكم اللّه ويُصلح بالكم، أو يغفر اللّه لنا ولكم (35) (36)

9/683 وروينا في موطأ مالك، عنه، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما؛ أنه قال‏:‏ إذا عَطَسَ أحدُكم فقيل له‏:‏ يرحمُك اللّه، يقول‏:‏ يرحمنا اللّه وإياكم، ويغفرُ اللّه لنا ولكم‏.‏ ‏(37)

وكل هذا سنّة ليس فيه شيء واجب، قال أصحابنا‏:‏ والتشميتُ وهو قوله يرحمك اللّه سنّة على الكفاية لو قاله بعضُ الحاضرين أجزأ عنهم، ولكن الأفضل أن يقوله كلُّ واحد منهم؛ لظاهر قوله صلى اللّه عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي قدّمناه ‏"‏كانَ حَقّاً على كُلّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يَقُوْلَ لَهُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ‏"‏ هذا الذي ذكرناه من استحباب التشميت هو مذهبنا‏:‏ واختلف أصحابُ مالك في وجوبه، فقال القاضي عبد الوهاب‏:‏ هو سنّة، ويُجزىء تشميتُ واحد من الجماعة كمذهبنا، وقال ابن مُزَيْنٍ‏:‏ يَلزم كلَّ واحد منهم، واختاره ابن العربي المالكي‏.‏

 فصل‏:‏ إذا لم يحمد العاطس لا يُشَمَّتُ؛ للحديث المتقدم‏.‏ وأقلُّ الحمد والتشميت وجوابِه أن يرفعَ صوتَه بحيث يُسمِعُ صاحبَه‏.‏

 فصل‏:‏ إذا قال العاطسُ لفظاً آخرَ غير الحمد للّه لم يستحقّ التشميت‏.‏

10/684 روينا في سنن أبي داود والترمذي، عن سالم بن عبيد الأشجعي الصحابي رضي اللّه تعالى عنه قال‏:‏ بينا نحنُ عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ عَطَسَ رجلٌ من القوم، فقال‏:‏ السلام عليكم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَعَلَيْكَ وَعَلى أُمِّكَ، ثم قال‏:‏ إذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ـ فذكر بعض المحامد ـ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَرُدَّ ـ يعني عليهم ـ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا وَلَكُمْ‏"‏‏.‏‏(38)

 فصل‏:‏ إذا عَطَسَ في صلاته يُستحبّ أن يقول‏:‏ الحمد للّه، ويُسمع نفسَه، هذا مذهبنا‏.‏ ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال‏:‏ أحدُها هذا، واختاره ابن العربي‏.‏ والثاني يحمد في نفسه، والثالث قاله سحنون‏:‏ لا يحمَد جهراً ولا في نفسه‏.‏

 فصل‏:‏السنّة إذا جاءَه العطاسُ أن يضعَ يدَه أو ثوبَه أو نحو ذلك على فمه وأن يخفضَ صوتَه‏.‏

11/685 روينا في سنن أبي داود والترمذي، عن أبي هريرةَ رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا عطَس وضعَ يدَه أو ثوبَه على فِيه، وخفضّ أو غضّ بها صوتَه‏.‏ ـ شكّ الراوي أيّ اللفظين قال ـ قال الترمذي‏:‏ حديث صحيح‏.‏ (39)

12/686 وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنهما، قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بالتَّثاؤُبِ والعُطاسِ‏"‏‏.‏‏(40)

13/687 وروينا فيه، عن أُمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏التَّثاؤُبُ الرَّفِيعُ وَالعَطْسَةُ الشَّدِيدَةُ مِنَ الشَّيْطانِ‏"‏‏.‏(41)

 فصل‏:‏ إذا تَكرّرَ العطاسُ من إنسان متتابعاً، فالسنّة أن يشمِّته لكل مرّة إلى أن يبلغ ثلاث مرّات‏.‏

14/688 روينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي، عن سلمة بن الأكوع رضي اللّه عنه؛

أنه سمعَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، وَعَطَسَ عندَه رجلٌ، فقال له‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، ثم عَطَسَ أخرى فقال له رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الرَّجُلُ مَزْكُومٌ‏"‏ هذا لفظ رواية مسلم‏.‏ وأما رواية أبي داود والترمذي فقالا‏:‏ قال سلمة‏:‏ عَطَسَ رجل عندَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنا شاهدٌ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَرْحَمُكَ اللَّهُ‏"‏ ثم عَطَسَ الثانية أو الثالثة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (42)

15/689 وأما الذي رويناه في سنن أبي داود والترمذي، عن عبيد اللّه بن رفاعة الصحابيّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يُشَمَّتُ العاطِسُ ثَلاثاً، فإنْ زَادَ فإنْ شِئْتَ فَشَمِّتْهُ وَإنْ شِئْتَ فَلا‏"‏ فهو حديث ضعيف، قال فيه الترمذي‏:‏ حديث غريب وإسناده مجهول‏.‏ (43)

16/690 وروينا في كتاب ابن السني، بإسناد فيه رجل لم أتحقق حاله، وباقي إسناده صحيح عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيُشَمِّتهُ جَلِيسُهُ، وَإِنْ زَاد على ثَلاثَة فَهُوَ مَزْكُومٌ، وَلا يُشَمَّتُ بَعْدَ ثَلاثٍ‏"‏‏.‏‏(44)

واختلف العلماء فيه، فقال ابن العربي المالكي‏:‏ قيل يقال له في الثانية‏:‏ إنك مزكوم، وقيل يقال له في الثالثة، وقيل في الرابعة، والأصحّ أنه في الثالثة‏.‏ قال‏:‏ والمعنى فيه أنك لست ممّن يُشمَّت بعد هذا، لأن هذا الذي بك زكامٌ ومرض لا خفّة العطاس‏.‏ فإن قيل‏:‏ فإذا كان مرضاً فكان ينبغي أن يُدعى له ويُشمّت، لأنه أحقّ بالدعاء من غيره‏؟‏ فالجواب أنه يُستحبّ أن يُدعى له لكن غير دعاء العطاس المشروع، بل دعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة ونحو ذلك، ولا يكون من باب التشميت‏.‏

 فصل‏:‏ إذا عَطَسَ ولم يحمد اللّه تعالى فقد قدَّمنا أنه لا يُشمّت، وكذا لو حمد اللّه تعالى ولم يسمعه الإِنسان لا يشمّته، فإن كانوا جماعة فسمعه بعضُهم دون بعض فالمختار أنه يُشمّته من سمعه دون غيره‏.‏

وحكى ابن العربي خلافاً في تشميت الذين لم يسمعوا الحمد إذا سمعوا تشميتَ صاحبهم، فقيل يشمّته لأنه عرف عطاسه وحمده بتشميت غيره، وقيل لا، لأنه لم يسمعه‏.‏

واعلم أنه إذا لم يحمد أصلاً يُستحبّ لمن عنده أن يذكِّره الحمد، هذا هو المختار‏.‏

وقد روينا في معالم السنن للخطابي نحوه عن الإِمام الجليل إبراهيم النخعي، وهو باب النصيحة والأمر بالمعروف، والتعاون على البرّ والتقوى، وقال ابن العربي‏:‏ لا يفعل هذا وزعم أنه جَهْلٌ من فاعله‏.‏ وأخطأ في زعمه، بل الصواب استحبابه لما ذكرناه، وباللّه التوفيق‏.‏